The best Side of المرأة والفلسفة



فإذا كان لهم كلمة جامعة في أمور شتى، فهذا لايعني عدم تضارب آراءهم في أمور أخرى، لقد اختلف الفلاسفة النسوييون في الإطار المعرفي (أينبغي أن يكون -مثلا- تحليليا أم قاريّا؟)، والإطار الوجودي (كمثل وجود مقولة “المرأة”)، وتضاربت وصفات الدواء الذي يرجى منه شفاؤ داء التحيز من الإمكانات السياسية والمعنوية.

لكن المسألة لا تنتهي هنا، وهناك أيضًا، المزيد من التفسيرات.

الولايات المتحدة أوروبا آسيا أفريقيا أميركا اللاتينية الرأي

فآب حديثنا عن النسوية إلى أنها كلمة، تحتضن شتيتا من الرؤى حول ظلم المرأة وضيمها، وأن أنصار النسوية وحفدتها تضاربوا في طبيعة العدل والنصفة وفي طبيعة التحيز الجنسي على وجه الخصوص، ونلمس أيضا عندهم البينونية فيما يواجه المرأة ويخصها من أنواع الظلم والإساءة، ولم تتفق كذلك كلمتهم في الطبقات التي يجب أن تنحصر جهودهم في رفع الضيم عنها، أو يكون لها الأولية على الأقل.

لقد استعلن في حوار العامة استعمال جديد لكلمة النسوية، لايمكن فهمه بغير جعلها ضامة إلى صدرها الجانبين المعياري والوصفي، لقد أضحينا نلاحظ باستمرار إذا أفصح الناس –رجالا ونساء- عن رأي حول المرأة، أن يصدروه بتنبيه مثل أن يقولوا: “لست نسويا، ولكن …”، لأسباب شتى، منها سبب كثير الظهور، لايختلف في جوهره عما يصبو إليه المنتمون إلى النسوية. ولنصغ إلى بعض من أمثلة هذا السبب:

إن سجلات المجد التاريخي متخمة بأسماء الفلاسفة الذكور ووصف تأثيرهم البالغ على تطور العقل الإنساني. فمن منا لم يسمع بسقراط أو أفلاطون أو أرسطو أو نيتشه أو هيغل أو ماركس أو رسل أو ديوي أو باديو، بينما إذا طلبت من أحدهم أن يسمي لك فيلسوفة واحدة فسينظر إليك كمن سأل عن كائن أسطوري، أو «عنقاء حكيمة» وثانية المستحيلات.

من «ذا أتلانتيك»

ولكن هذا الخلاف في كل شيء تقريبا لم يمنع أنصار النسوية من العمل، والعزم على إدخال تغير جذري في المجتمع كي ترسو سفينة جهودهم بالمرأة على مرساة النجاة من الضيم والهوان، وخاصة ما كان على أساس أنوثتها.

لقد أصبحت كل رواية فلسفية غربية –التحليلية والقارية وفلسفة الذرائع (البراجماتية) والتوجهات الملفقة منها وغيرها من التوجهات- تصوغ الفلسفة النسوية بمصاغها وتصبها في قالبها. وهذا يفضي إلى النظر إلى الأسئلة الفلسفية الدائمة بنظرة مختلفة، وتصويرها صورة مباينة، وإلى أن أنصار النزعة النسوية أدخلوا في المياديين الفلسفية التقليدية، من الأخلاق إلى المعرفة، مفاهيمًا ورؤىً جديدة، قلبت ماهية الفلسفة، وشكلتها بشكل جديد.

بالإضافة إلى ذلك لاحظنا أن التحيز الجنسي لايقتصر على المرأة بل يشمل الرجل كذلك.

الحديث عن جزئيات الاضطهاد ذو شجون، فلنضعه جانبا، ولنقبل نظرا إلى صلب موضوعنا على ما يعد اضطهادا جنسيا. فإن جعلنا أساس التحيز الجنسي هو الضرر وقلنا بأنه ما يلحق بالمرأة ضررا أو أذى على سبيل الأصالة، أقصرنا؛ لأن سبل الاضطهاد كلها أوجلها تؤدي إلى ضرر بالنساء أو أذى وأما قولنا: “على سبيل الأصالة”، ففيه أن من سبل الاضطهاد غير الجنسي ما يهدف المرأة بالأصالة والرجل بالتبع، مثل الاجحاف على أساس مقاس الجسد أو السن.

هذا النص لكانط، ستعتقد فيه المرأة حينما تقرأه، أنه يخاطبها، ويمسُّ جزءا حسّاسًا، وربما عميقًا بداخلها، وذلك إن اعتَبَرت نفسها مشمولةً بمن يتحدث عنهم كانط، أي بكونها إنسانا يملكُ عقلا ويستطيع التفكير. حينها، سترى فيه نصَّا ثوريا يدعوها للخروج عن "الوصاية الفكرية" التي حَكَمتها طوال السنين، وأن تتجرَّأ على استخدام عقلها، تاركةً كَسل المواجهة ومتحلية بالشجاعة لرفض من نصّبوا أنفسهم أولياء عليها. غير أنها -المرأة- ستكتشف، أن كانط لم يشملها في خطابه ذاك، بل خاطَبَ الرجل وحده، باعتباره الوحيد الذي يملك عقلًا ويستطيع أن يفكر.

الدكتور عبد الله الحراصي وزير الإعلام العماني لدى إطلاق منصة «عين للطفل» في معرض مسقط الدولي للكتاب (العمانية)

ولا شك أن ذلك يتطلب من الفلاسفة الغربيين قبل غيرهم إعادة تقييم الطرق التي كُتب بها تاريخ الفلسفة، وتطوير منهجيات متحررة من أغلال الماضي تكون أكثر دقة وشمولاً في رصد تطور المعارف الإنسانية، وربما إعادة الاعتبار لمساهمات من كانوا خارج الصورة النمطية. على أنه ينبغي - فيما يتعلق بالفيلسوفات تحديداً – تجنب مخاطر التركيز على جانب واحد من جوانب هويات تلك النساء لدرجة الوقوع في الهفوة النقيضة: أي تعظيم النساء كنساء أولاً قبل النظر في نوعية مساهماتهن الفلسفية، أو قبولهن رمزياً كتلوين على ذات النمط المعياري المؤسس (فتصبح الصورة لفيلسوف أو فيلسوفة من ذوي البشرة البيضاء محبين للحكمة)، أو كجزء من كوتا مفروضة لأسباب سياسية وإجرائية دون الكفاءة لغاية تحقيق أهداف الإدارات لناحية تعزيز التنوع والظهور برداء ليبرالي تقدمي، إذ إن ذلك لا يخدم للفلسفة قضية ويقصر التمثيل عن عرق (متفوق) على حساب مروحة عريضة من أشكال المساهمة الفلسفية من الأعراق والإثنيات والثقافات الأخرى، ومع أن الفيلسوفات الغربيات البيضاوات لا يمثلن سوى جزء صغير من العمل الفلسفي المتنوع والغني للمرأة من جميع أنحاء العالم - وعلى مر التاريخ أيضاً، وهو فوق ذلك كله أمر ضار المزيد من التفاصيل للشابات الفيلسوفات اللواتي سيجدن أن ثمة أبواباً باتت تفتح لهن من زاوية جنسهن دون حاجة جادة لكسب التأهيل بناء على الكفاءة الموضوعية، وهو ما قد يتسبب لهن بفشل مستقبلي، ويمنحهن ثقة زائدة بالنفس في غير مكانها وعلى حساب جودة العمل الفلسفي.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *